فراشةُ الشِّعر

يظن الكثيرون أنني ذات طباع هادئة، وأحيانًا ينعتونني بـ(غير المبالية). في الواقع، من عادتي أنني لا أتحدث كثيرًا، وأنصت دائمًا للآخرين. أتحدث فقط إن كان هناك داعٍ، وإن كان الحديث ضروريًا. لطالما شعرتُ بأن الأحاديث الزائدة والثرثرة أمرانِ يقودان إلى التلوث السمعي! لكنني لست هادئة أبدًا. قد يُعزى ذلك إلى شخصيتي الثابتة، وربما بسبب عدم اختلاطي الكبير بالآخرين، فأنا لا أميل إلى تكوين العديد من الصداقات.
بالمناسبة، للذين يظنون بأنني هادئة.. إن حياة الشاعر / الفنان، ليست هادئة أبدًا. قد يبدو متزنًا من الخارج، لكنه من الداخل يثور، أي أن خلف ذلك الهدوء عاصفة هائجة. أشعر أن في رأسي كونًا صغيرًا، عالمًا متخيّلًا، لكنه يبدو كالواقع الذي نعيشه، على الأقل أفضّله لأنه خالٍ من الزوائد، فقط أنا وأفكاري..
إننا نعيش حياة واحدة ولا نحتملها، فكيف بالشاعر / الفنان إذ يعيش بحياة، ويتلظّى في حياة أخرى في رأسه؟ آلاف الأفكار والسيناريوهات، لا يستطيع بسببها الشاعر / الفنان أن يحظى بليلة نوم هادئة، ولا أن يعيش إلا قلقًا في بعض الأحيان، وربما مكتئبًا. الاكتئاب ليس ضروريا، ولكن حالة الخيبة أو اليأس أحيانًا تفي بالغرض. بالرغم من ذلك، لا توجد لحظة مبهجة في العالم تَصٍفُ بهجة اكتمال العمل الأدبي / الفني. إنه كما لو أنك تمتلك سعادة الناس كلهم، بعدما وضعت سعادتك في ذلك العمل.
عملية التفكير تبدو مؤرقة غالبًا، تجعلك تقضم أظافرك دون وعي، وتشعرك بالصداع أحيانًا، وبالخيبة أحيانًا أخرى حينما تجد أنك محاصر من قبل أشياء لا توصلك إلى أفكارك المثالية. أرق وإرهاق، لكن النتيجة مذهلة.. أليس ممكنًا أن تشقى كي تظفر؟
وبالمناسبة، هناك شيء ما يزعجني، وهو حينما يقلل أحد من قيمة الشاعر، أو حينما يصفون الشعر بأنه للمكتئبين و(النفسيين)!.. حسنًا، حتى أتصالح مع هذا الأمر عليّ أن أقول: هذه ليست مشكلتي أنهم لم يروا كل الشعر، وإنما ألقوا أعينهم على مساحة ضيقة من تجارب بعض الشعراء. ليس عيبًا أن نجد شعرًا حزينًا، فالشعر كالخبز، كالصديق، كالحب، يمنحنا الحياة!
ولكن هنالك الكثير من الشعراء المبتهجين المتفهّمين، وأنا أحبهم، منهم من يدعو للحياة، ومنهم من يدعو للحب، ومنهم من يدعو للإنسانية، ... لا أريد للشعر أن يصبح ملتصقًا بتهمة ليس له صلة بها، الشعر ليس للـ(نفسيين)، بل هو لكل من يشعر، لمن يرغب بأن يلمس الأشياء، وأن يُـنْضِجَ الحواس، لمن يشعر بأنه يرغب في التحليق، متحديًا قوانين الطبيعة والجاذبية.
هكذا أفكر دائمًا، في صنع تجربتي الخاصة، دون التأثر بأحد، دون قوانين، أكتب الشيء الذي أحبه بالطريقة التي أحبها، دون خوف، دون تقليد. مثل الفراشة التي تتجول في الحقول غير عابئة لظروف الجو، ولا للأعداء حولها، ولا لمواسم الإزهار، فقط تقوم بعملها لتشعر بالسعادة.
حميدة | 8 أغسطس 2018م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وردة في البئر

نزهة إلى العام الجديد

البئر