عقل مشوش في رحلة الحياة الوديعة
مرحبا يا أصدقاء، أنشر هذه التدوينة في آخر أيام الشهر الفضيل، الحمد لله الذي بلغنا تمام شهر رمضان، ونحن ننعم بالصحة والعافية والرحمة. تقبل الله أعمالكم وطاعاتكم، وكل عام وأنتم بخير.
كنت أكتب هذه التدوينة وأنا أفكر حول
وجهة نظري عن رحلة الحياة، أظن أننا نخشى الانكشاف أمام الآخرين، في الوقت الذي
يضعون فيه الكثير من التطلّعات والتوقعات علينا، نخشى ما إذا كانت حقيقتنا – كبشر
لنا لحظاتنا الخاصة من الضعف والإرهاق والاحتراق النفسي – لا ترقى إلى تلك الفكرة
المركونة في أذهانهم عنّا. وظللت أفكر كثيرا، لماذا تلك الفكرة المركونة هي ما
يهمنّا عند الآخرين؟
وضعت حياتي أمامي على الطاولة
لأفهمها، وفي كل مرة أفعل ذلك، أرى أمامي شخصا واحدا بعقل صغير، يفكر دائما في:
الاقتصاد والمالية، الأدب وكتابة الشعر، الرسم والهوايات اليدوية، تعلم اللغات
والثقافات الأخرى، الأساطير القديمة، موسيقى الجاز الكلاسيكية، الطبيعة الوديعة...
وغيرها الكثير.
ثم وجدت أن كل موضوع يأخذني إلى داخله،
ففي الاقتصاد والمالية، يجب أن أقرأ الاقتصاد السياسي والاجتماعي، والرأسمالية،
وإدارة الثروة والدخل. وفي الأدب والشعر، أحتاج لقراءة القصص القصيرة والروايات
والمسرحيات والعديد من الأجناس الأدبية الأخرى كالمذكرات واليوميات والرسائل. حتى
الرسم والهوايات اليدوية، وهي جزء ضئيل من حياتي، لكنني أحب مراقبة الفنانين وتعلم
التطريز اليدوي، كما أحب تربية النباتات المنزلية والعناية بها. وكذلك هو الأمر
بالنسبة لتعلم اللغات، فقد بدأت بتعلم اللغة الكورية في 2021م، يومها كنت أفكر في
تطوير مهارات التواصل بلغات المستثمرين في شرق آسيا، ثم بدأت بتعلّم اللغة
اليابانية في 2024م لتكون بطاقة الأمل للوصول إلى إكسبو اليابان، وبعدها بدأت
باللغة الروسية مؤخرا، وهي بالنسبة لي الأصعب من ناحية النطق.
كل هذا ولا أزال أشعر بأن مساهمتي في
في إثراء الحياة قليلة. أفعل كل ما أفعله – رغم صعوبة إدارته – لأن جودة أعمالي
تهمني. وأحيانا تخرج الأمور عن السيطرة، ويصبح من الصعبب الاحتفاظ بكل ما في
جعبتي، فاضطر لوضع أولويات، والتضحية بتأجيل بعض الاهتمامات الثانوية لبعض الوقت.
يهمني أن أكون موظفة ناجحة، تسهم في
إنجاح أهداف العمل، بل وأن يكون نتاج عملنا كفريق ومؤسسة إضافة للنتاج الإجمالي
المحلي للدولة. كنت أعمل بكل طاقتي، دون أن أهتم لأن يلاحظ الآخرون ذلك، يحركني
ضميري ومسؤوليتي، ورغبتي الكبيرة في التعلم والإنجاز، والبقاء في بيئة يملؤها
المتغيرات والتحديات. لا يمكن للإنسان أن ينمو في منطقة راحته، وكنت أقدم هذا
التنازل من أجعل أن أنمو سريعا في العمل رغم أن ذلك كان صعبًا للغاية. ومع ذلك،
أتعاطف من نفسي، وأمنحها بعض الأيام الهادئة وروتين عمل ثابت ومريح. لا يمكن أن
تدفع بنفسك لأقصى طاقة كل يوم، ثم تتسائل: لماذا أشعر بالملل والإرهاق مع مرور
الوقت رغم كل ما أفعل؟ تذكر: حتى الآلات لا تستطيع أن تعمل بكفاءة 100% يوميا.
أحيانا تحتاج لفترة راحة لتشحن طاقتك للأيام الصعبة. ثم إن العيش في بيئة مشحونة
كل يوم، لا يعني بالضرورة نموك الفكري والمهني سريعا، بل هناك جانب مخفي، وهو
احتراق وظيفي ونفسي، وانعزال اجتماعي، وقلة التروي وكثرة الاستعجال. كنت أظن أن
عيش التحديات كل يوم يجعلك أقوى، وقادرا على تحمل أقوى الضغوط الممكنة، لكن مع
الوقت تضعف قدرتك على التحمل، ويصبح الصبر صعبا للغاية، وتظل تنتظر المكافأة وهي أن
تحصل على النتيجة من ذلك العمل الذي بذلت جهدك فيه، وكل احتمال وارد.
يهمني أن تكون أعمالي الأدبية حقيقيّة
وصادقة، أكتب قصيدتين أو ثلاثة في السنة الواحدة، لكنها عصارة الفكر والمشاعر التي
أملكها، في الوقت الذي يكتب فيه أقراني العديد من الأعمال في مختلف الأجناس
الأدبية، ويبدعون ويفوزون بها. كنت ولا أزال أظلم نفسي بمقارنتها مع الآخرين في
هذا المجال، ثم أتعجب لم لا أستطيع الكتابة! في الوقت الذي تتخلي فيه عن جعل أعمال
الآخرين معيارا لأعمالك، تنطلق يدك في كتابة العجائب. ربما لأن مشاركتي في
المسابقات الأدبية منذ البداية جعلتني أرى التنافس الشديد والنقاشات التي تحصل
داخليا بين المشاركين في نقدهم للنتائج والمشاركين وغيرها. كل ذلك لا يهم، متى
سيجتمع الناس على كلمة واحدة؟ لن يفعلوا ذلك أبدا، لذا أظل أذكّر نفسي دائما أن
الآخرين لا يعنونني بشيء، ورحلتي في الكتابة مختلفة. أكتب لنفسي، للآخرين الذين
يحبون الحقيقة رغم أنها غير مريحة، للذين يحتاجون سماع الحقائق التي تبدو مؤلمة
لكنهم لا يستطيعون قولها، لمن قلبه جريح ويحتاج إلى العزاء، لمن ينتظر من يقول له
كلمة لطيفة، لكنه وحيد وخائف. الكتابة بالنسبة لي ليست عملا، فالعمل جزء من حياتي،
والكتابة هي حياتي كلها. حتى أنه بعد انتهاء فترة خدمتي في العمل، أتخيل نفسي أعمل
في الكتابة، وحضور الجلسات الشعرية والأدبية بشكل مكثف، وقتها لن يقف أي شيء عائقا
أمامي.
أظل أكتب عن نفسي لأنني أعرف حقيقتي،
التي ربما هي حقيقة أشخاص آخرين يخشون الحديث عنها. قد لا أستطيع الكتابة عن
الآخرين ووصف همومهم بدقة ما دمت لا أختلط بهم كثيرا، لكنني متيقنة أننا في رحلة
الحياة متشابهون في بعض النواحي. وأرجو أن يكون ذلك عزاء لنا جميعا، فلا أحد محظوظ
بالمطلق، أنت فقط لا تستطيع رؤية الصورة كاملة، وهذا ما يشكل الإحباط لدينا.
لذا استمتع برحلتك، وتذكر أن لا شيء
سيكون واضحا دائما، أنت من يجعل الطريق واضحا، بالسعي والعمل والتوكل على الله.
حميدة
30 مارس 2025م
تعليقات
إرسال تعليق